بطاقة الإئتمان .

·

الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ، أمّا بعد :
ففي ظل تنامي السوق المالية ، وتنافس المصارف بجلب أكبر عدد ممكن من العملاء ، لتوفير قدر أعلى من الربح - في دائرة سياسة البنوك التي قامت عليها وهي القرض بفائدة - قامت بتقديم خدمات مصرفية ، وتسهيلات لعملائها ، فأنشأت في ساحة التعامل المصرفي مجموعة من عقود " الإئتمان " ، ومن هذه العقود وأشهرها " بطاقات تسديد المدفوعات " ومنها بطاقة الإئتمان التي انتشرت انتشاراً كبيرا في أوساط الناس حتى أصبحت علامة على التقدم والرّقي ، ولما كان الحكم على الشيئ فرع عن تصوّره ، كان لابد لمعرفة حكم هذه البطاقة من بيان وصفها وأنواعها وأطرافها والعلاقة بين أطرافها ، وهذا ما ستقرأه في السطور القادمة .

تعريف بطاقة الإئتمان

تعريفها التوصيفي : هي بطاقة معدنية أو بلاستيكية ممغنطة ، عليها اسم حاملها وتاريخ إصدارها ، وتاريخ نهاية صلاحيتها ، ورقم سري لا يعرفه إلا حاملها .
تعريفها الإصطلاحي : هي مستند يعطيه مُصدره ، لشخص طبيعي أو اعتباري - بناء على عقد بينهما - يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند ، دون دفع الثمن حالاً ، لتضمنه إلتزام المُصدر بالدفع ، ومنها ما يمكن من سحب النقود من المصارف .
ومن هذاالتعريف يتبين أن عقد إصدارها مركب من عقدين متلازمين :
أحدهما :عقد بين المصدر وحاملها ، يتضمن سقفاً للإئتمان وشروط العلاقة .
ثانيهما : عقد بين المصدر وبين من يعتمدها من مؤسسات وشركات ومصارف .

أنواع بطاقة الإئتمان

يمكن تقسيمها إلى نوعين رئيسيين .
النوع الأول : بطاقة الخصم الفوري ، أو الصرف الآلي أو البطاقة التقليدية أو العادية .
وهي بطاقة يمنحها البنك للعميل الذي له حساب لديه ، وذلك للخصم الفوري من حسابه عند استخدامها بواسطة أجهزة الصرف الآلية ، أو أنظمة التحويل الإليكتروني . ويتصف هذا النوع بما يلي :
  1. لا تصدر إلا لمن له رصيد لدى البنك .
  2. لا تسمح بالصرف من غير رصيد حاملها .
  3. وهي بدون مقابل .
  4. ويتم الخصم فور استخدامها بتسلم المبلغ ، أو بالنحويل عليه .
وهذا النوع من البطاقات - بهذا الوصف - ليس محل بحث ؛ لعدم وجود شائبة في حلّها ، مالم يحصل لها شرط أو وصف إضافي ينقلها من الحل إلى التحريم .
وفي حال تحويل حاملها للتاجر تكون وكالة لأن له حساباً لدى المصرف أو البنك فوكله بالسداد .
ملحوظة
نبّه العلّامة بكر أبو زيد - رحمه الله - بعد ان تحدث على هذا النوع قائلا : " يرد على هذا النوع ، أن البنك الذي أصدره يستفيد من استثمار الرصيد مقابل إصدارها ، ألا يكون هذا من الرّبا ؟ فليحرر " أهـ . أعتقد ان هذه الملحوظة تحتاج إلى مزيد من التدقيق والتحرير .

النوع الثاني : بطاقة الإئتمان أو الإعتماد أو بطاقة الملاءة .
ومن أشهر بطاقات هذا النوع : بطاقة الفيزا ، بطاقة الماستر كارد ، بطاقة الداينرز كلوب ، وبطاقة الأمريكان إكسبريس .
وكل منظمة أو مؤسسة من المنظمات المذكورة تصدر عدداً من البطاقات الفرعية تختلف مواصفات وشروط وأغراض كل منها ، فعلى سبيل المثال تصدر منظمة الفيزا تراخيص لثلاث أنواع من البطاقات : بطاقة الفيزا الفضية ، الذهبية ، الفيزا إلكترون . ومنظمة أمريكان إكسبرس تمنح تراخيص إصدار ثلاثة أنواع من البطاقات : الخضراء ، الذهبية ، والماسية .
وهناك نوعان تحت هذا النوع:
الأول : بطاقة الخصم الشهري . وفيها يلتزم حامل البطاقة بتسديد مسحوباته خلال مدة لا تزيد عن شهر في الغالب ، وفي حال المماطلة يقوم البنك بمطالبته ويلغي البطاقة ويترتب عليه فوائد التأخير .
الثاني : بطاقة التسديد بالأقساط ، وهي الأقوى انتشاراً وينصرف إليها مصطلح " بطاقة الإئتمان " عند الإطلاق ، وتختلف عن النوع السابق - بطاقة الخصم الشهري - بأن التسديد فيها يكون غير مرتبط بشهر مثلاً بل هو دين متجدد على شكل دفعات بحيث تعطي العميل " حاملها " قدرة على استخدامها ما دام منتظماً في سداد الفوائد المستحقة عليها شهرياً ، وهي أكثر البطاقات فرضاً للفوائد على حاملها .
ويشترط كلا النوعين - الخصم الشهري والتسديد بالأقساط - في الخصائص التالية :
  1. لا يلزم لإصدارها وجود حساب للعميل .
  2. يقوم البنك المصدر لها بإقراض العميل مبلغاً له حد أعلى يسمى الخط الإئتماني .
  3. يلزم حاملها بدفوعات أربعة : رسم الإشتراك ، رسوم التجديد ، فوائد الإقراض ، وفوائد التأخير .
أطراف بطاقة الإئتمان
  1. مُصدرها ، وهو البنك مباشرة أو بواسطة إحدى المنظمات مثل الفيزا ، أو الماستر كارد ، أو ..... إلخ .
  2. حاملها ، وهو العميل .
  3. الوسيط بينهما ، وهو المؤسسة او المنظمة .
  4. التاجر ، وهو صاحب السوق التجاري الذي يشتري منه العميل .
العلاقة بين أطراف بطاقة الإئتمان
  1. العلاقة بين مُصدر البطاقة وحاملها : علاقة تعاقد هما طرفاه ، ومن أهم شروطه بينهما وضع سقف أعلى للإئتمان الممنوح من مصدرها لحاملها ، ومن هنا تنوعت البطاقات فبعضها عادي وبعضها ذهيي وهكذا .
    ولهذا كان " الضمان" من مصدرها لحاملها أساساً فيها ، لتحمله الديون المتعلقة بذمة حاملها أمام التجار الذين يتعامل معهم ، ومن بيان طبيعة هذه العلاقة يتبين أن " رسوم الإشتراك " هي في حقيقتها " أجور على ضمان " فتئول العملية إلى وعد قرض بزيادة ، ولا وجه للقول بأنها علاقة " وكالة " ؛ لأنه ليس هناك مال لحاملها لدى البنك حتى يوكله ويفوضه بالدفع عنه .
  2. العلاقة بين مصدرها والتاجر : ومن أهم شروطها : النسبة التي يحصلها المصدر من التاجر ، فإذا كانت المشتريات مثلاً بمائة دينار، فإن التاجر يستوفي فقط خمسة وتسعين ديناراً ، والخمسة دنانير تكون للبنك عمولة على نشر الدعاية لمحلة ، وعموله للتسديد له .
    وفي حال مماطلة البنك ، لا يستطيع التاجر -قانوناً - الرجوع على حاملها - المشتري - ، لأن البنك قد استحق في ذمة حاملها عموله للتسديد عنه - رسم الإشتراك - ، ونسبة في ذمة التاجر للتسديد له .
  3. العلاقة بين حاملها والتاجر : اتضح من بيان طبيعة العالقة بين مصدرها وحاملها ، وبين مصدرها والتاجر ، أن حامل البطاقة سيحيل التاجر بثمن مشترياته منه على مصدرها ، وأنه لا علاقة بعد بين حاملها والتاجر ، فلا يستطيع التاجر عند عدم تحصيل حقه من البنك المصدر أن يرجع على حاملها ، ومعلوم أن من طبيعة عقد " الحوالة " شرعا أن للمحال مطالبة المحيل إذا كان المحال عليه غير مليئ ، وفي عقد الكفالة ، فالمكفول له ، له الخيار بمطالبة أيهما شاء .
    لكن ، يلاحظ في البطاقة الإئتمانية ، أن حامل البطاقة - المحيل - ليس له حساب مستقر لدى البنك حتى يحيل عليه ؛ لهذا ، فهذه العلاقة التي ظاهرها " الحوالة " ، لا تتحقق فيها صفة الجوالة شرعاً من جهتين :
    الأولى : أن الحوالة على ذمّة لا على دين مستقر ، لأن المشتري ليس له حساب مستقر لدى البنك المحال عليه .
    الثانية : أن المحال - التاجر- ليس له مطالبة حامل البطاقة - المشترى - والمحال عليه - البنك - في نفس الوقت ، بمعنى أن التاجر لا يستطيع - في حالة عدم تحصيله للمبلغ من البنك - لا يستطيع - قانوناً - الرجوع إلى المشتري ومطالبته بالمبلغ.
حكم النوع الثاني من بطاقة الإئتمان

من المعلوم أن الأصل في المعاملات والشروط - على عكس العبادات - الحلّ ، وهذا من محاسن الشريعة ويسرها وسعتها ، وكل معاملة تنقل عن هذا الأصل وتحوله إلى قالب التحريم ، لابد وأن تعود إلى واحدة من قواعد التحريم الثلاث :
  1. تحريم الربا ، وكل قرض جرّ نفعاً فهو ربا .
  2. تحريم التغرير ، ومنه النهي عن تلقي الركبان ، والنجش ، وبيع المصراة ، والمعيب . ( سيأتي بيان ذلك في مواضيع قادمة بإذن الله ) .
  3. تحريم الغرر ، إمّا بعجز عن تسليمه ، أولعدمه حين العقد ، أولجهالته .
وحكم بطاقة الإئتمان - من النوع الثاني - بوضعها العام المعروف عالمياً وكما سبق بيانه ، المحتوية على شروط ومواصفات قطعية التحريم مثل : غرامات التأخير ، الخصم الذي يقتصه البنك من فاتورة التاجر ، محرّمة شرعاً لا يمكن قبولها ولا تسويغها بالنظر الشرعي .
وقد نوه العلامة بكر أبو زيد أن البنوك التجارية إنما قامت على فكرة القرض بفائدة وليس من طبيعتها القرض الحسن ، وأنه يستحيل أن تنثر أموالها على الناس مسخرةً مجموعة من الأقسام الوظيفية ومئات من أجهزة الصرف ليحوز الواحد بطاقة إئتمان - ولا رصيد لديه - دون تحقيق لمبداها القائمة عليه ، القرض بفائدة .

هذا ما تيسر اختصاره وترتيبة من كتاب العلامة بكر أبو زيد " بطاقة الإئتمان " وفيه بحثان رائعان أحدهما عن تاريخ البطاقة والآخر عن المنافع والمضار الناتجة عن استخدام البطاقة فليراجع ، ، ومن أراد المزيد فللدكتور وهبة الزحيلي بحث جميل في نفس الموضوع من هنا .

blog comments powered by Disqus

إرسال تعليق

الخلاصات

أدخل بريدك الإليكتروني

أرشيف المدونة

آخر مواضيع حمزة توك

 

بعض الحقوق محفوظة 2009

Creative Commons License
.